يتناول المقال سيكولوجية السجّان من خلال تحليل نفسي واجتماعي لأولئك الذين مارسوا القهر والتعذيب، خاصة في سجون النظام السوري تحت حكم الأسد. يوضح المقال العوامل النفسية التي تؤثر على السجّان، مثل الطاعة للسلطة، نزع الإنسانية عن الضحايا، وآليات الدفاع النفسي التي تساعده على تبرير أفعاله. كما يناقش التكيف مع العنف وأثره طويل المدى على السجّان، بما في ذلك الاضطرابات النفسية والعزلة الاجتماعية. المقال يسلط الضوء على سجون الأسد كنموذج للقمع المؤسسي، ويختتم بالدعوة لفهم جذور هذه الظاهرة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات لضمان عدم تكرارها.
تُعد سيكولوجية السجّان واحدة من القضايا المعقّدة التي تجمع بين علم النفس الاجتماعي والسياسي، حيث يتداخل فيها سلوك الفرد مع منظومة القهر والاستبداد التي يتبعها النظام. في سياق سجون النظام السوري تحت حكم الأسد، باتت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً مع تزايد التقارير عن استخدام التعذيب بشكل منهجي لإخضاع المعتقلين وإذلالهم. هذا المقال يهدف إلى تحليل نفسي وسلوكي للسجّان الذي يمارس التعذيب، مع تسليط الضوء على الأسباب التي تدفعه إلى ارتكاب هذه الأفعال، والآثار النفسية التي قد تنعكس عليه.
1. الإطار النفسي والاجتماعي للسجّان
السجّان في الأنظمة القمعية ليس مجرد فرد يمارس عمله، بل هو جزء من منظومة تبرّر العنف وتقدّمه كوسيلة للحفاظ على السيطرة. من الناحية النفسية، يُمكن أن تتأثر شخصية السجّان بعوامل عدّة:
- نظرية السلطة والطاعة: وفقًا لتجارب ميلغرام، يُمكن أن يطيع الأفراد أوامر سلطة عُليا حتى لو كانت هذه الأوامر قاسية وغير أخلاقية، خوفًا من العقاب أو رغبةً في الحصول على القبول من النظام.
- نظرية نزع الإنسانية: يعمد النظام إلى تصوير المعتقلين كـ”أعداء” أو “خونة”، مما يسهل على السجّان نزع صفة الإنسانية عنهم، ويقلل من شعوره بالذنب تجاه ما يمارسه من تعذيب.
- التنشئة الاجتماعية والاستبداد: في أنظمة كالنظام السوري، يتم بناء عقيدة الفرد منذ الصغر على أساس الولاء التام للقائد، مما يجعل من السجّان أداة طيّعة بيد السلطة.
2. العوامل النفسية المؤثرة في السجّان
أ. التكيف مع العنف
التعرّض المستمر لمشاهد العنف والتعذيب قد يسبب للسجّان نوعاً من “التبلّد العاطفي”، حيث يفقد إحساسه الطبيعي بالتعاطف مع الضحايا. في بعض الحالات، قد يشعر السجّان بنشوة القوة عندما يمارس العنف، نتيجة إحساسه بالسيطرة المطلقة على ضحيته.
ب. آليات الدفاع النفسي
يلجأ السجّان إلى تبرير أفعاله باستخدام آليات نفسية مثل:
- الإنكار: إنكار حقيقة أنه يؤذي الآخرين.
- الإسقاط: إسقاط اللوم على الضحية، واعتبارها المسؤولة عن التعذيب الذي تتعرض له.
- التبرير: إقناع نفسه بأن ما يفعله هو “واجب وطني” أو ضرورة للحفاظ على الأمن.
ج. الانقسام الداخلي
على الرغم من كل هذه التبريرات، قد يواجه السجّان صراعًا داخليًا بين إنسانيته ودوره كمنفّذ للأوامر. هذا الصراع يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد، مثل القلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
3. دراسة حالة: سجون الأسد كنموذج للقمع المؤسسي
في سجون الأسد، تجاوز التعذيب كونه وسيلة للحصول على المعلومات، ليصبح أداة لإذلال المعتقلين وكسر إرادتهم. التقارير والشهادات التي وردت من معتقلين سابقين تظهر مدى الوحشية التي يتعامل بها السجّانون، والتي تشمل:
- استخدام وسائل تعذيب جسدي بشعة.
- الإذلال النفسي عبر التهديد بالعائلة أو استخدام الإهانات الدينية والعرقية.
- الحرمان من النوم والطعام والرعاية الصحية.
4. الأثر النفسي طويل المدى على السجّان
بينما يترك التعذيب آثارًا مدمّرة على الضحايا، فإن السجّان نفسه لا يخرج من هذه التجربة دون آثار نفسية عميقة. قد يعاني من:
- الإدمان على العنف: حيث يصبح غير قادر على التعامل مع الآخرين إلا من خلال القوة والسيطرة.
- فقدان الإحساس بالذات: نتيجة الصراع المستمر بين الضمير وإملاءات النظام.
- العزلة الاجتماعية: بسبب خوفه من محاسبة المجتمع أو التعرض للانتقام مستقبلاً.
5. الخاتمة
سيكولوجية السجّان تُبرز كيف يُمكن للأنظمة القمعية أن تُحوّل الفرد العادي إلى أداة للتعذيب والانتهاك، عبر منظومة نفسية واجتماعية تُفقده إحساسه بالإنسانية. في حالة السجون السورية، يتجلى هذا بوضوح في الأفعال الوحشية التي يمارسها السجّانون تحت غطاء “الأمن الوطني”. إن فهم هذه السيكولوجية ليس تبريرًا للأفعال، بل خطوة لفهم جذور المشكلة، والعمل على محاسبة مرتكبيها لضمان عدم تكرارها في المستقبل.
- دراسات نفسية واجتماعية حول سيكولوجية الطاعة والعنف.